إجراءات قسمة التركات في السعودية تعد من الإجراءات الأساسية التي تعتمدها الحكومة للحفاظ على النظام الاجتماعي وفقًا للقيم الإسلامية. ينص الشريعة الإسلامية على توزيع التركة وفقًا لأحكامها، وتحديد حصص كل وارث وفقًا للتوجيهات الشرعية والمبادئ العادلة. يولي المجتمع السعودي اهتمامًا خاصًا لهذا الأمر، حيث يعتبر تقسيم التركات من القضايا المالية والاجتماعية ذات الأهمية البالغة، حيث يسعى المنظمون لوضع قواعد وإجراءات تعزز التفاهم والعدالة بين الورثة، وتقلل من حدوث الخلافات والصراعات بينهم.
تتمثل أهمية تقسيم التركات في تطبيق الشريعة الإسلامية والحفاظ على العلاقات الاجتماعية الصحيحة بين الأفراد المعنيين. من خلال فهم هذه الأهمية، يمكننا التعرف على الخطوات والإجراءات الضرورية التي يجب اتباعها لتقسيم التركة بشكل سليم وفقًا لتوجيهات الشريعة الإسلامية.
أولاً: حقوق تتعلق بالتركة يجب أداءها قبل تقسيمها
ينص النظام الجديد للأحوال الشخصية في المملكة العربية السعودية على بعض الإجراءات الضرورية التي يجب أخذها قبل توزيع التركة على الورثة. يتضمن هذا التجهيز للجنازة والتكفل بنفقات التجهيز والتكفين، بالإضافة إلى سداد الديون المستحقة على الميت، مع استثناء ما قد يكون متعلقًا بأحد الورثة. كما يتطلب النظام تنفيذ أية وصايا متعلقة بتبرعات مالية بعد وفاة الموصي، وأخيرًا، تقسيم ما تبقى من التركة بين الورثة وفقًا للقواعد الشرعية والتوزيع المنصف.
ثانياً: الخطوات التمهيدية قبل إجراءات قسمة التركات في السعودية
قبل الشروع في عملية إجراءات قسمة التركات في السعودية، يتعين على الورثة اتخاذ عدة إجراءات مهمة تضمن سهولة الحفاظ على حقوق كل وارث في التركة. يبدأ الأمر بإصدار شهادة وفاة المتوفى، فلا يمكن البت في التركة إلا بعد تأكد وفاته بشكل رسمي. ثم يلي ذلك إصدار “صك حصر الوراثة”، حيث يُثبت فيه القاضي وفاة المورث وتاريخ وفاته، ويُحدد الورثة المنحصر الإرث عليهم.
ومن الخطوات الرئيسية الأخرى التي يجب اتخاذها قبل التقسيم، استخراج “صك ولاية قاصر” في حال وجود قاصر بين الورثة، سواء كان قاصراً سناً أو عقلاً. كما يتوجب على الورثة تثبيت الوصية إذا كانت موجودة، حيث تُعد الوصية حقاً مقدمًا على الحقوق الأخرى المتعلقة بالتركة، ويتم ذلك إما بإثبات المورث للوصية قبل وفاته، أو بإجراءات ثبوتها بعد وفاته في حال كان قد وصى بها ولم يُثبتها خلال حياته.
من الطبيعي أن يُدير الورثة أموال التركة بحكمة قبل إجراءات قسمة التركات في السعودية، وغالبًا ما يقوم أكبر الورثة سناً بالمسؤولية، حيث يتم التحكم في هذه الأموال عن طريق توكيل يُمنحه الورثة الآخرون. يتم هذا الإدارة بمسؤولية وتحت المساءلة القانونية، حيث يمكن محاسبة المسؤول إذا تجاوز صلاحياته أو تسبب في أذى للورثة. وفي حال عدم توكيل الورثة لشخص معين، فإنهم لا يحق لهم التصرف في الأموال أو اتخاذ قرارات بشكل فردي. وإذا قام أحد الورثة بالاستيلاء على جزء من التركة دون موافقة الآخرين، فلهم الحق في رفع دعوى قانونية لاسترداد حقوقهم أمام القضاء.
ثالثاً: أنواع قسمة التركة في السعودية
بعد أن يقوم الورثة باتخاذ الإجراءات الضرورية لتقسيم التركة بينهم، يبدأون في الخطوات المتعلقة بتقسيم التركة. وتتم هذه العملية عادةً عن طريق نوعين من القسمة: القسمة بالتراضي والقسمة القانونية.
1- إجراءات قسمة التركات في السعودية بالتراضي بين الورثة
إجراءات قسمة التركات في السعودية بالتراضي تعتمد على اتفاق جميع الورثة على توزيع جميع ممتلكات التركة بينهم بطريقة متفق عليها. يبدأ العمل بتجمع جميع الورثة والوكيل الشرعي للورثة الغائبين، حيث يقومون بإجراء حصر شامل لجميع الديون المتعلقة بالتركة، سواء كانت ديوناً مرتبطة بالممتلكات أو بالمورث نفسه، بالإضافة إلى تحديد الديون التي من المستحيل تحصيلها.
ثم يتبعون بحصر جميع أصول التركة، والتي قد تشمل عقارات، أو شركات، أو مؤسسات، أو أي أصول أخرى، بالإضافة إلى الأموال النقدية، والأسهم، والسندات. قد تشمل أيضاً الأشياء الشخصية مثل الملابس والهواتف والمركبات.
في حالة عدم قدرة الورثة على تحديد جميع أصول المورث، يحق لهم التوجه إلى الجهات الرسمية مثل وزارة التجارة أو هيئة السوق المالية، دون الحاجة إلى اللجوء إلى القضاء، للحصول على المعلومات اللازمة.
بعد إكمال الحصر، ينتقل الورثة إلى مرحلة تقييم جميع أصول التركة بشكل تفصيلي، حيث يتم تحديد قيمة كل عنصر بدقة. يمكن إجراء هذا التقييم من خلال مقيم معتمد، لضمان الدقة والشفافية في عملية التقسيم. بعد ذلك، يقوم الورثة بسداد جميع الديون المستحقة على المورث، ويتم توثيق هذه السدادات من خلال مخالصات مع الدائنين.
ثم يتم حجز أي مبالغ متبقية تتعلق بوصية من التركة، إذا كانت موجودة. وبعد ذلك، يتم تقسيم التركة بين الورثة وفقًا للنصيب الشرعي لكل منهم، ويتم توقيع ورقة إثبات القسمة والتي تحمل توقيع كافة الورثة، مع إقرارهم بأنهم قاموا بالتوزيع بالرضاء وبدون أي إكراه أو غبن.
في حال وجود قاصر بين الورثة وتم التوافق على التقسيم، يجب على الورثة إثبات القسمة أمام محكمة الأحوال الشخصية. بعد ذلك، يمكن للورثة التوجه إلى الجهة الرسمية المختصة لإفراغ ملكية ممتلكات التركة وفقًا للتوزيع.
ورقة إثبات القسمة التي تم التوقيع عليها بالرضاء تعتبر أدلة قانونية قوية ولا يمكن نقضها، إلا إذا كان هناك ادعاء بوجود غبن أو عيب في إرادة أحد الورثة.
هل يجوز الرجوع في الهبة قانوناً في السعودية
2- القسمة الجبرية وأسبابها وإجراءاتها في السعودية
عندما يكون التوافق بين الورثة على تقسيم التركة بالترضي غير ممكن، يلجأ البعض منهم إلى رفع دعوى القسمة أمام القضاء، حيث يتم تقسيم التركة تحت إشراف المحكمة. فيما يتعلق بالاختصاص القضائي في دعاوى التركات، فإن المحكمة المختصة بالدعاوى المرتبطة بالتركات داخل المملكة العربية السعودية هي محكمة الأحوال الشخصية أو دوائر الأحوال الشخصية في المحاكم العامة في المناطق التي ليس فيها محكمة أحوال شخصية.
إذا كانت الدعوى تشمل عقارًا يقع خارج المملكة العربية السعودية، فإن محاكم المملكة لا تختص بهذه القضايا. كما يتوقف الاختصاص القضائي على مكان إقامة المدعى عليه، فإذا لم يكن للمدعى عليه محل إقامة في المملكة، يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في نطاقها مكان إقامته.
إذا كان هناك تعدد للمدعى عليهم، فإن الاختصاص يكون للمحكمة التي يقع في نطاقها مكان إقامة أكثرهم.
عندما يتعذر على الورثة التوصل إلى اتفاق بشأن إجراءات قسمة التركات في السعودية بالترضي، يبدأون في إقامة دعوى قسمة التركة أمام القضاء. يتم هذا الإجراء ببداية تحرير صحيفة الدعوى، التي تحتوي على معلومات حيوية مثل تاريخ وفاة المورث وتحديد جميع أصول التركة بشكل دقيق ووافٍ. يتم توضيح كل نوع من أنواع التركة بشكل مفصل، ويُطلب في نهاية الصحيفة الحكم بقسمة التركة بين الورثة وتخصيص كل واحد منهم نصيبه الشرعي وحقوقه.
وأثناء مراحل المحاكمة، يتم تقديم مجموعة من المستندات الضرورية لدعم حجج الدعوى، مثل صك حصر ورثة المتوفى الذي يثبت هوية الورثة، وصك الولاية على الورثة القصر في حال وجودهم، وصك الوصية إذا كانت موجودة، ووثائق الوكالة التي تمنحها الورثة البالغين، بالإضافة إلى كشوف بحسابات المتوفى في البنوك إذا كانت متاحة، وشهادات ملكية الأسهم، وصكوك العقارات إذا كانت موجودة.
تقدم هذه المستندات دليلاً قوياً يُثبت مطالبات الورثة في الدعوى، وتساعد في توضيح حججهم أمام المحكمة بشكل فعال.
بعد استلام الدعوى، يقوم القاضي بفحص صك حصر الورثة والتأكد من صحته واكتماله، كما يتحقق من تمثيل جميع الورثة في الدعوى بشكل صحيح، ويتأكد أيضًا من وضع القصر في حال وجودهم، حيث يتأكد من وجود ولي أو وصي عليهم.
بعد ذلك، يقوم القاضي بحصر جميع الديون المتعلقة بالتركة، بما في ذلك الديون المتعلقة بعناصر معينة من التركة والديون المتعلقة بالمورث شخصيًا، والديون المعدومة التي لا يمكن تحصيلها. ثم يقوم القاضي بحصر جميع أصول المورث التي يجب على الورثة الإفصاح عنها أمامه، وفي حالة عدم إفصاح أحد الورثة عن الممتلكات التي يمتلكها المورث، يحق للقاضي أن يأمر باحضارها ويتخذ الإجراءات اللازمة، بما في ذلك إمكانية القبض على الممتلكات المتعلقة بالتركة.
إضافة إلى ذلك، يحق للورثة أثناء سير دعوى قسمة التركة تقديم طلبات عارضة، شريطة أن تتوافق تلك الطلبات مع الطلب الأصلي في دعوى إجراءات قسمة التركات في السعودية. يعني ذلك أنه يحق لهم أن يطلبوا قسمة منافع الأموال المشتركة، مثل الأرباح الناتجة عن استثمارات التركة أو دخل العقارات الخاصة بها، ويمكنهم أيضًا طلب تعيين حارس قضائي للتركة إذا كانت هناك خلافات حادة بين الورثة تستوجب وجود إشراف قضائي لحماية المصالح المشتركة.
وبالإضافة إلى ذلك، يحق لأحد الورثة أن يطلب تسليمه نصيبه من النقد، خاصة في حالة كانت التركة تحتوي على أموال نقدية يمكن تقسيمها بسهولة، وهذا يساعد في تحقيق العدالة وضمان حصول كل وارث على حقوقه بطريقة منصفة ومتساوية.
إذا اشتملت دعوى قسمة التركة على منازعات تؤدي إلى تعقيد سير القضية وتسبب في تأخير الحكم، فإنه يمكن للمحكمة أن تصدر أمرًا بوقف سير الدعوى حتى يتم حل تلك المنازعات. يتم هذا الإجراء لضمان عدم تعطيل سير العدالة ولتأمين حقوق جميع الأطراف المعنية في الدعوى.
وبعد إنهاء جميع التحقيقات وتقديم الأدلة، يقوم القاضي بحصر ديون المورث وأملاكه بدقة، ويتأكد من سلامة هذه البيانات. بعد ذلك، يتم سداد جميع الديون المتعلقة بالتركة من أموالها، ويتم تقسيم المبلغ المتبقي بين الورثة حسب حصصهم الشرعية المحددة.
ويتم هذا الإجراء وفقًا للأحكام الشرعية والقوانين المعمول بها، بهدف ضمان توزيع التركة بشكل عادل ومتساوٍ، وتأمين حصول كل وارث على حقوقه المشروعة دون تمييز أو تحيز.